
11 أغسطس 1960م ـــــــ 11 أغسطس 2024م يوافق هذا التاريخ الذكرى الرابعة والستين لاستقلال تشاد عن الاستعمار الفرنسي؛ حيث أعلنت جمهورية تشاد استقلالها في الـ11 من أغسطس 1960م بعد فترة طويلة من الاستعمار الفرنسي الذي بدأ في 1893م، ويعتبر هذا التاريخ مهماً في تاريخ البلاد؛ حيث يُمثِّل بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ من الحُكم الذاتي والسِّيَادة الوطنية، علماً بأن الاستقلال هو حالة شعب أو دولة يمارس فيها السكان الذين ينتمون إليها حُكمًا ذاتيًا، وعادة ما يتمتعون بالسيادة على أراضيها، ويعيشون حياتهم بكرامة وبعزة نفس.
وبمناسبة حلول ذكرى الاستقلال، عادةً ما تُنظَّمُ الاحتفالات التي تشمل الفعاليات الثقافية، والسياسية، والاجتماعية التي تعزز الهوية الوطنية، وتسلط الضوء على التقدم الذي أحرزته تشاد منذ الاستقلال.
وفي خلال الأربعة والستين عامًا تعاقَبَ على حُكْمِ البلاد سبعة رؤساء جمهورية، وستَّةٌ وعشرون رئيس وزراء، وأكثر من ألف وزير وحوالي ألفين وخمسمائة نائب برلماني، وهذه الأرقام التي قُمْتُ بذكرها تُشير إلى عِدَّة دلالات ومعانٍ، منها: العدد الكبير من رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء، والبرلمانيون يشير إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وتعاقُب عِدَّة حكومات ورؤساء في تشاد؛ مما يعني أن السياسات تتغير بشكل متكرر؛ مما يؤثر سلبًا على خطط التنمية والاستراتيجيات الحكومية على المدى الطويل، ويظهر ذلك جَليّاً فنحن ما زلنا في مراتِبَ مُتَأخِّرةٍ في معظم التصنيفات الدولية، فعلى سبيل المثال: في مجال الاقتصاد عندما نتمعن مَليّاً في القوائم تقرير التنافسية العالمي لعام 2019م تُوضَعُ تشاد في الترتيب رقم (143) بواقع 35.1 نقطة، بينما تتصدر سنغافورة الترتيب العالمي بواقع 84.8 نقطة، وتليها الولايات المتحدة الأمريكية بواقع 83.7 نقطة، ويقوم التقرير بتقييم قُدرة الدول على تقديم الازدهار لمواطنيها بالاعتماد على قدرة أية دولة في الاستفادة من مصادرها المتاحة. ففي الوقت الذي تحتل فيه بلادنا تشاد مراتِبَ مُتأخِّرَةً في هذا التصنيف نَجِدُ في المقابل دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وسنغافورة والدانمارك والسويد والنرويج وألمانيا تتنافس فيما بينها لتصدر المرتبة الأولى في معيار التنافسية العالمية، وهنا تتضح الفروقات في طريقة العمل، وكذلك في طريقة التفكير بيننا وبينهم.
وفي مجال الزراعة رغم توفر الأراضي الزراعية في بلدنا تشاد التي تعتبر خامس الدول من حيث كبر المساحة، وثالث أكبر دولة قارية في العالم بعد كازاخستان ومنغوليا، وتحتل المرتبة العشرين بين دول العالم أجمع من حيث الترتيب المساحي، إلا أنه يحتل ترتيب مُتأخِّراً بقائمة أكبر الدول المنتجة للسلع الغذائية، بل ما زلنا نستورد الآلاف من الأطنان سنويّاً من أجل سَدِّ حاجة التشاديين منَ الأرزّ والدقيق والسكر والشعير… وغيرها.
كما أننا في الأوساط الأكاديمية -كباحثين – دائماً ما نقوم بتشخيص مجموعة من العوامل والمؤشرات لكي نعرف مدى تمتع الدولة بسيادتها الوطنية بشكل كامل وبلا رتوش، ومنها: السيادة الوطنية والتي بدورها توجب أن تكون جمهورية تشاد قادرة على اتخاذ قراراتها السيادية دون تدخل خارجي، أو تلقي إملاءات من الدولة الإمبريالية التي قامت باحتلالها عسكريّاً في ذلك الزمان الذي سادت فيه شريعة الغاب في العالم، وفُرِضَت اتفاقيات تعاون ثنائية في مجالات الاقتصاد، والتعاون العسكري، والقضائي، والثقافي، والدبلوماسي، والسياسي، ومعظم تلك الاتفاقيات تحِدُّ من أن تكون تشاد دولة متطورة ما لم تقوم بإلغائها لأنها تُكَرِّسُ التبعية، وتستولى على مُقدَّرات البلاد خاصة في المجال الاقتصادي، وتعطي الأحقية لأبناء (فرانكيا) بالتواجد العسكري على أراضينا، وقد كتبت مقالاً في صفحتى هذه بتاريخ 10 أغسطس 2022م تحت عنوان: تشاد ما بعد اتفاقية الدوحة ..مؤتمر الحوار الوطني النتائج المرتقبة والتحديات الماثلة للعيان، وأشرت فيها إلى الدور الفرنسي المريب في تشاد عقب اغتيال مارشال تشاد، ومدى فلاح المؤتمرون في مناقشة موضوع تواجد القواعد العسكرية الفرنسية بتشاد منذ أكثر من نصف قرن! 👇 https://www.facebook.com/share/p/XdP3WA18JPQntyXL/?mibextid=oFDknk
ولكن أغلب المشاركين تغاضوا عن هذا الموضوع واتبعوا سياسة النعامة في الصحراء(دسوا رؤسهم في الرمال وصمتوا) وبالتالي لم يظهر هذا الموضوع قط في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والسيادي ولا في التوصيات!.
كما أن اتفاقية التعاون في المجال القضائي تعطي الحق بملاحقة كل التشاديين بدون استثناء من الرئيس إلى الغفير!، ومن ثَمَّ أُرِيدُ من الجميع أن يعلموا خطورة بقاء تلك الاتفاقيات التي وُقِّعَت في باريس يوم 12 يوليو 1960م سارية إلى يومنا هذا؛ لأنها تجعل تشاد دولة غير قادرة على إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بنفسها باستقلالية كاملة دون تدخل أحفاد(الغال)، وفي الوقت نفسه تَحِدُّ من وجود اقتصاد مستقل في ظل قِيَام فرنسا بتغطية عملة الفرنك الإفريقي الذي صار عملة من الزمن الماضي؛ حيث لا يمكن التعامل به حتى في داخل فرنسا نفسها، وترفضه كل البنوك والمصارف الأوروبية!
وفي مجال الأمن والدفاع؛ فإن جمهورية تشاد قادرة على حماية أراضيها بواسطة جيشها الوطني دون الاعتماد على قوات أجنبية أو قواعد عسكرية متواجدة في بلادنا، وتقوم بمهامّ تؤدي إلى الإضرار بالأمن والاستقرار في بعض الأحايين.
وبينما نحن نتحدث عن الذكرى الرابعة والستين للاستقلال جمهورية تشاد والتمتع بالسيادة الوطنية إلا أننا لم نتمكن من تعزيز ثقافتنا هُويَّتنا الوطنية بسبب ازدواجية المعايير، وطرح مفهوم فضفاض لتطبيق الثنائية اللغوية لشغل المثقفين بأمور فرعية وقضايا ثانوية، وتغليب اللغة الفرنسية في الإدارة والقيادة والثقافة والتعليم والإعلام، ويتجلى ذلك في أن الكثير من الوزارت والإدارات القائمة بهذه المهام تقوم بوضع (متفرنس) على رأسها؛ وذلك لأن الاتفاقيات المُوَقَّعَة في باريس عام 1960م بين تشاد وفرنسا تُوصِي بذلك، كما أن فرنسا تهتم بتشاد أيّما اهتمام في السِرِّ خلف الكواليس، وفي العلن، وتخشى أن تفلت خيوط اللعبة من يديها، فتكون جمورية توماي الديمقراطية خارج السفينة الفرنسية كما خرجت مالي وبوركينا فاسو، والنيجر، وإفريقيا الوسطى.
وأما ما يتعلق بالتوجه الدبلوماسي للسلطات الجديدة الحاكمة في تشاد، فإنه لم يمْضِ على تَولِّي الرئيس التشادي المُنْتَخَب محمد إدريس ديبي سوى ثلاثة أشهر على إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتنصيبه رسميًّا يوم 23 مايو 2024م وهذه فترة ليست كافية حتى يمكننا إعطاء إجابات كاملة لسؤالكم حول توجه الدبلوماسية في تشاد خاصة تحت السلطات الجديدة، وغالبًا ما يكون مُتعلِّقا بعدَّة عواملَ، بما في ذلك الوضع السياسي الداخلي، والأمن الإقليمي، والعلاقات الدولية، وبالتالي فإن هذا الأمر يحتاج إلى وقت لكي نحكم عليه أو له من خلال إيضاح التوجه الدبلوماسي للدولة ومدى اهتمام السلطات الجديدة بتحقيق الأمن والاستقرار بتشاد ودول الإقليم؛ حيث لا زالت التحدِّيَات الأمنية ماثلة أمامَنا لم تخْتَفِ بعد؛ لأن جماعات بوكو حرام لا زالت بقاياها في شرق جمهورية نيجيريا الفيدرالية، تتسلل من وقت لآخر في أى منطقة ببحيرة تشاد وتقوم بالقتل والنهب والتخريب، إلى جانب إظهار مدى سعي الحكومة الجديدة إلى تعزيز علاقاتها الخارجية مع الدول المجاورة التي تشهد بعضها اضطرابات سياسية وأمنية خطيرة، مثل: السودان وليبيا وإفريقيا الوسطى، والنيجر، كذلك الحكومة الجديدة في أمَسِّ الحاجة إلى تعزيز العلاقات الخارجية مع دول أخرى جديدة في المجتمع الدولي من باب تبادل المصالح المشتركة، دون الاعتماد على علاقاتها مع الشركاء التقليديين التي تحكم بعضها التبعية التي تحكمها اتفاقية ثنائية غير عادلة بالية عَفا عليها الزمن، والتي وُقِّعَت في وقْتٍ لم تنضُج فيها الرُؤَى السياسية لأُطر عهد الاستقلال.
على كل حال، فإننى شخصيًا لسْتُ من المتشائمين بمستقبل البلاد، ولكننى أرى أنه من الضروري تغيير نمط التفكير في القطاع الحكومي العام، وطريقة تسيير شؤون الدولة بشكل جَذْرِيٍّ، فكثير من إدارات الدولة مُلِئَت بأولائك ينتهزون الفرص لاستغلال المال العام في أمور لا تؤدي إلى تنمية البلاد وتطورها، فيجب على الحكومة الجديدة أن تعتمد في أداء مهامها على الكفاءات والمواهب، والتركيز العلمي، وإصلاح الإطار التنظيمي، وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لكل مدن وبلدات وقرى البلاد، وضمان مرونة قطاع العمل، وتسهيل فرص الاستثمار في تشاد من قِبَل الأجانب من خلال توفير ضمانات وتسهيلات لهم تغريهم للاستثمار في البلاد، وضبط دخل الدولة من المصادر المباشرة مثل الجمارك، وعادات تصدير الثروة الحيوانية والصمغ العربي، ورفع كفاءة البِنْيَة التَّحْتِيَّة بعموم البلاد، وتحسين الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتطبيق القانون بشكل يجعل الجميع سواسية أمامه، حتى لا يستطيع أحد أن يفلت من المُلاحقة القضائية والمسائلة والمحاكمة.
وفي حالة تبَنِّي هذه العوامل والآليات عندها، حينئذ يستطيع كل مواطن تشادي أن يقَيِّمَ كفاءة الحكومة، ومدى تحسن أداء الاقتصاد التشادي بشواهدَ ومؤشراتٍ ملموسة، وكذلك مدى كفاءة البنية التحتية؛ لأن بلادنا لا تزال ينقصها الكثير والكثير في كل المجالات والمحاور والقطاعات.
وأتمنى أن تُذَلَّل العقبات والنكبات، وتُرْسَم الخُطط والاستراتيجيات التنموية التي تؤدى إلى بلوغ التنمية الشاملة والتطور والازدهار ورفاهية العيش لجميع التشاديين حالاً ومستقبلاً.
علينا إنجاز لحمة داخلية متوحدة تحت ثوابت وطنية متفق عليه من كل أطراف الطيف السياسي والتقليدي،
بعد هذا يبدأ معركة استكمال الاستقلال والفكاك من القبضة الفرنسية.