إعداد/ الدكتور: إبرناهيم برمة أحمد، الباحث في التاريخ السياسي
قامت القوات التشادية بدور محوري في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية ، وذلك بعد خطابات الجنرال ديقول للمشاركة من جميع اقاليم فرنسا ماوراء البحار في تحرير فرنسا الأم من قبضة الاستعمار الالماني وبدأت مشاركتهم من عام 1940 بعد ان انضمت تشاد إلى القوات الفرنسية الحرة التي ناضلت ضد حكومة الفيشي الموالية للألمان.
وهناك عدة أسباب رئيسية دفعت القوات التشادية للانضمام إلى القوات الفرنسية الحرة والمشاركة في الحرب العالمية الثانية:
اولا : تشاد كانت مستعمرة فرنسية آنذاك، وشعر الكثير من العسكريين التشاديين بالولاء للسلطة الاستعمارية الفرنسية وكانوا مستعدين للقتال من أجل فرنسا.
ثانيا : الرغبة في التحرر من الاحتلال الإيطالي حيث كان جزء من شمال تشاد تحت الاحتلال الإيطالي آنذاك، وكان التشاديون يريدون التخلص من هذا الاحتلال واستعادة السيطرة الفرنسية.
ثالثا : الطموح السياسي وذلك عبر مشاركة الكثير من القادة التشاديين في الحرب من أجل كسب خبرة قتالية ومكانة سياسية بعد الحرب، وتحقيق استقلال تشاد عن فرنسا في المستقبل.
رابعا : الولاء الشخصي للجنرال ديغول – وذلك بتأييد وإعجاب شخصي وقيادته للقوات الفرنسية الحرة، مما دفعهم للانضمام إليه.
خامسا : الروح القتالية والفخر القومي – كان لدى التشاديين تقاليد عسكرية قوية وشعور بالفخر القومي، مما جعلهم متحمسين للانضمام إلى القتال إلى جانب الحلفاء.
بهذه الأسباب، قدم التشاديون مساهمات بطولية في الحرب كجزء من القوات الفرنسية الحرة، وأثبتوا كفاءتهم القتالية على نحو لافت للنظر.
اما ابرز المعارك التي حقق فيها القوات التشادية بطولات ، اضافة إلى معركة باريس الحاسمة، شاركت القوات التشادية في عدة معارك أخرى مهمة خلال الحرب العالمية الثانية:
– معركة الفاصوال (1942-1943) – كانت هذه المعركة حاسمة في طرد القوات الألمانية والإيطالية من شمال أفريقيا حيث لعبت القوات التشادية دوراً محورياً في هذه المعركة.
– معركة الجزائر-فرنسا (1943-1944) – بعد طرد الألمان من شمال أفريقيا، انطلقت القوات التشادية والفرنسية الحرة في حملة نحو فرنسا. شاركوا في معارك عنيفة ضد القوات الألمانية على طول الطريق.
– معركة فوسج (1944) – في هذه المعركة، واجهت القوات التشادية والفرنسية الحرة قوات ألمانية محصنة في جبال فوسج بشمال شرق فرنسا. كان لمساهمتهم دور حاسم في اختراق الخطوط الألمانية هناك.
– معركة الالزاس-لورين (1944-1945) – في المراحل الأخيرة من الحرب، شاركت القوات التشادية في هذه المعركة الحاسمة لطرد الألمان من المناطق الحدودية بين فرنسا وألمانيا.
وفي معارك استرداد باريس من الاحتلال الالماني
لعبت القوات التشادية أدوراً بارزة في عام 1944 ونوجزها في الاتي:
١. شاركت القوات التشادية بقوة في الهجوم على باريس من جهة الجنوب والشرق، بالتنسيق مع القوات الفرنسية الحرة والحلفاء الآخرين.
٢. تحرير أحياء باريس حيث قامت القوات التشادية بتطهير وتحرير العديد من أحياء باريس الرئيسية مثل الشانزليزيه وبورت سان مارتان، مما ساهم بشكل كبير في استرداد المدينة.
٣. معركة مونبارناس بجنوب باريس ضد القوات الألمانية المحصنة هناك، وكان لها دور حاسم في سقوط هذا الموقع الاستراتيجي.
٤. الاشتباكات في شوارع باريس ضد القناصة والقوات الألمانية المتبقية في المدينة.
٥. بعد النصر، شاركت القوات التشادية في الاحتفالات والمسيرات الكبرى في شوارع باريس لتخليد تحرير المدينة.
بهذا، أسهمت القوات التشادية بفعالية في جميع المراحل الرئيسية لحملة تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني طوال سنوات الحرب. وتعد مساهماتهم البطولية من أبرز إنجازات الجيش الأفريقي خلال الحرب العالمية الثانية.
من جهة اخري أسفرت المشاركة التشادية في حرب التحرير الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية عن تكبد قوات تشاد خسائر مادية وبشرية كبيرة ، حيث تكبدت القوات التشادية خسائر كبيرة في المعدات والآليات العسكرية خلال المعارك الشرسة ، ودمرت أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات والمركبات التشادية في المواجهات مع القوات الألمانية ، وكان لهذه الخسائر المادية تأثير كبير على قدرات القوات التشادية وإمكانياتها القتالية ، اما الخسائر البشرية لاتوجد احصائية واضحة تثبت ذلك من خلال الدراسات التاريخية .
وبشكل عام، كان للمشاركة التشادية في تحرير فرنسا ثمن باهظ دفعته تشاد من خلال هذه الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات. لكن هذه التضحيات ساهمت بشكل حاسم في هزيمة القوات الألمانية والنصر النهائي للحلفاء.
ولمشاركة القوات التشادية في الحرب العالمية الثانية إلى جانب القوات الفرنسية الحرة كان لها تأثير كبير على تاريخ دولة تشاد وتطورها السياسي والوطني ، ونوجز هذا الاثر في النقاط التالية:
1. تعزيز الهوية الوطنية والاستقلال:
– المشاركة في الحرب عززت الشعور بالهوية الوطنية التشادية وطموح الحصول على الاستقلال عن فرنسا.
– خبرات القتال والنضال ضد الاستعمار الأجنبي عززت الوعي السياسي والوطني بين التشاديين.
2. ظهور قيادات سياسية وعسكرية وطنية:
– برزت قيادات تشادية بارزة كالرئيس فرانسوا تومبالبي وغيره من القادة العسكريين والسياسيين.
– اكتسبوا خبرات قيادية وعسكرية ساعدتهم على تولي مناصب سياسية مهمة في المستقبل.
3. المساهمة في استقلال تشاد:
– المشاركة في الحرب مهدت الطريق لاستقلال تشاد عن الاستعمار الفرنسي في عام 1960.
– عززت الشرعية السياسية للحركة الوطنية التشادية في مطالبتها بالاستقلال.
4. بروز دور الجيش التشادي:
– تميزت قوات تشاد بكفاءتها القتالية وبطولاتها، مما عزز مكانة الجيش التشادي.
– أصبح الجيش عنصراً أساسياً في السياسة والحياة العامة في تشاد بعد الاستقلال.
مجمل القول كان لمشاركة التشاديين في الحرب أثر بالغ على تشكيل الهوية الوطنية التشادية وتطور المؤسسات السياسية والعسكرية في البلاد بعد الاستقلال. هذه التجربة كانت محورية في مسيرة تشاد نحو الاستقلال وبناء الدولة الحديثة.